وزارة التجارة والصناعة
المعهد القومى للجودة

نعم أنت مسؤول مكافحة الرشوة من زاوية جديدة

نعم أنت مسؤول  مكافحة الرشوة من زاوية جديدة

بقلم.

م. حسين الجندي

طلب منى صديقى المهندس مدحت صالح المشرف العلمي على مجلة المعهد القومي للجودة (مجلة مجتمع الجودة)، أن أكتب مقالا ً لنشره بمجلة المعهد القومي للجودة أتناول فيه موضوع مكافحة الرشوة، من زاوية جديدة، ووجدت أن البداية والنهاية دائما من القيادة التى تهييء بيئة العمل المناسبة. إن العديد من القادة والمدراء الصالحين ليظهرون الفزع والدهشة عند مناقشة قضية الرشوة فى نطاق العمل، بل إن بعضهم ينكرها تماما ولسان حاله يقول: أنا إن أقررت بإحتمالية وجودها، فإن السؤال المنطقى ماذا فعلت سابقا أو ماذا سأفعل لاحقا لمقاومة هذا الإحتمال! بل يمكن أن يصل الإنكار إلى الاستنكار و التساؤل "هل أنا مسئول أمام الناس أو أمام رؤسائى عن أخلاق كل موظف عندى!!!". وأجدنى أتذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقى:

يـا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ          وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ

صَلاحُ أَمــرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ           فَقَـــوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ

نعم بالتأكيد نحن مسئولون مادام الأمر فى نطاق العمل، نحن لسنا فقط مسئولون أمام الناس أو الرؤساء ولكن أيضا أمام الله والقانون. هل تتذكرون الجريمة السلبية، جرائم الإمتناع فى القانون!! إن مسئوليتنا أن نُقَيم  ماتخفيه الأعمال من مخاطر مبكيات، الأخطر بينها إن بدا للموظف أو العامل منها غير ذلك، وأن نعمل على نشر الوعى وتنظيم آليات العمل بما يمنع الوقوع فى مخاطر تلك المبكيات. فليس كل من هو سىء الخلق مرتشي وليس كل من هو على خلق حسن محمي تماما من جريمة الرشوة. إن تلك الجريمة لكى تحدث، فإن هنالك مسئول قصر فى مهام عمله وترك لها البيئة الخصبة لكى تنمو وتترعرع، نعم سواء كان عن سوء تقدير أو سوء تدبير فالنتيجة واحدة .... نحن مسئولون أن نحمى شركاتنا وموظفينا من جريمة الرشوة.

ألا تتذكرون حينما قمتم بتقييم مخاطر السلامة والصحة المهنية، ألا تتذكرون عندما قمتم بتدريب العاملين وتوفير مهمات الوقاية والحماية من الوقوع فى مخاطر الإصابات، لقد قمتم بذلك وتقومون به باستمرار لحماية العاملين توافقا مع متطلبات السلامة ..... لقد قدرنا الخطر وقررنا الحماية وقمنا بالمطلوب منا فى ظل مبدأ الرعاية المسئولة، وتلك الرعاية المسئولة يجب أن تمتد لتشمل حمايتهم من الرشوة كما فعلتم مع سابقتها.

وددت أن أقول: إن مثل خطر الرشوة كمثل خطر إصابات السلامة، ولكننى وجدت أن الوقوع فى الرشوة هو الأسوأ فليس لها إسعافات أولية أو معالجات طبية ....بل إنها تؤدى لدمار النفس و تدمير العمل، وتجلب للأهل العار وخيبة الأمل، وتقطع الأمل على كل جيد ومجيد يرى أن النجاح بالإجتهاد فى العمل.

لو أستعرضنا التعريف العام للرشوة فى المواصفة ISO 37001 [عرض أو الوعد او إعطاء أو قبول او إلتماس لميزة غير مستحقة أيا كانت قيمتها ( والتى يمكن أن تكون مالية أو غير مالية) مباشرة أو غير مباشرة، وبغض النظر عن أماكنها، بالمخالفة مع القانون المطبق، كنوع من الحث أو المكافأة لشخص مقابل أن يعمل أو يمتنع عن عمل له علاقة بواجبات وظيفة هذا الشخص.]، نجد أن الشخص قد يقع فى جريمة الرشوة إذا لجأ إليها لإنهاء عمل ما حتى لو لصالح الشركة (راشيا)،  أو كان هو علي الجانب الآخر مرتشيا أو وقع فى كليهما حال وجود تعارض للمصالح.

فالكرم المبالغ فيه غالبا يكون رشوة غير مباشرة، والمرتبات المبالغ فيها غالبا تعطى علامة استفهام وقد يكون خلفها رشوة، وكذلك الميزات غير المستحقة لشخص ما، وأى مدفوعات أو مقبوضات غير واضحة ومبررة قد تكون كذلك ...

كما أن تعارض المصالح يعتبر أحد أنواع الرشوة الواسعة الإحتمال، سواء فى التعيينات، أو الترقيات، أو لجان البت  والتعامل مع الموردين، أو حتى التصحيح فى المدارس والجامعات. وإنهاء الإجراءات، والحصول على التصاريح ، أو الرخص والموافقات قد تحتوى على رشوة. كما أن  الاستضافة، والهدايا، والسفريات، والهبات فى مجال العمل غالبا ما تكون رشوة، وكذلك عمليات الاندماج أو الاستحواز قد تحتوى على رشوة وتعارض للمصالح.

قد استمر فى عرض الأمثلة تلو الأخرى مرات ومرات ولكني أفضل أن أتوقف هنا وأعود للتأكيد إلى رسالتى الرئيسية من وراء هذه السطور. إن علينا اليوم قبل غدا تدريب وتوعية كل مستويات العاملين معنا من الخفراء حتى المدراء على مخاطر الرشوة وكيفية تجنبها وحمايتهم وزملائهم من الوقوع فىيها عن طريق توفير مناخ العمل الصحى الذى يمنع حدوثها. ولكم جميعا أجدنى أتذكر كلمات شاعر النيل حافظ ابراهيم:

فالرأي لكم والنجاة قراركم، ووقاية شركاتنا وتأمين مواردنا وحماية موظفينا مسئوليتنا جميعا.