بقلم. م.سامية العزازي إن إدارة الجودة الشاملة والتميز المؤسسي تمثل ثقافة راسخة لدي أي منشأة تحرص علي رضا العملاء من خلال التحسين المستمر. تختلف هذه الثقافة من دولة لأخرى ومن صناعة لأخري، ولكن يوجد عدد من المبادئ الأساسية التي يجب الإلتزام بها لتحقيق هذا الهدف لضمان حصة سوقية أكبر وأرباح أعلي وتكاليف أقل وبالتالي قدرة تنافسية مستمرة. يوجد عدد من التحديات التي يجب مواكبتها بسبب التغيرات التي طرأت علي مناخ الأعمال نتيجة العولمة المتزايدة والتوسع والتعقد في سلاسل الإمداد التي تديرها المنشآت، إضافة إلي التطور المستمر في متطلبات وتوقعات العملاء.
وبالتالي فإن أي منشأة تسعي للبقاء والاستمرارعليها تطبيق المواصفات الدولية لنظم الادارة، بينما المنشأة التي تسعي لإستدامة النجاح فعليها استيفاء معايير أحد النماذج العالمية للتميز المؤسسي لتتفوق علي أقرانها ومنافسيها وتحافظ علي هذا التفوق علي المدي الطويل.
ولإيضاح المقصود، نعرض فيما يلي موجزا لإحدي مواصفات نظم الإدارة وموجزا لمبادئ ومعايير إثنين من النماذج العالمية للتميز المؤسسي. عندما صدرت المواصفة الدولية ذائعة الصيت الأيزو 9001 عام 1987 لمتطلبات نظم إدارة الجودة لاقت نجاحا ساحقا في أنحاء العالم وسارعت آلاف من المنشآت من مختلف الأنواع والأحجام والقطاعات إلى تطبيقها والحصول علي شهادة المطابقة لمتطلباتها، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الجهود في إضافة المزيد من المواصفات الدولية لنظم الإدارة في مجالات متعددة - إضافة إلى الجودة - مثل البيئة، والطاقة، وأمن المعلومات، والسلامة والصحة المهنية وغيرها وصولا إلى مكافحة الفساد، بما يتجاوز عددها الأربعين مواصفة دولية. كما واصلت المنظمة الدولية للتقييس متابعة تطبيق هذه المواصفات علي مستوي العالم، والعمل علي مواكبة التطورات الدولية من خلال مراجعة وتعديل هذه المواصفات بصفة دورية ونشر إصدارات جديدة منها لضمان وفائها بمتطلبات وتوقعات المستخدمين والمستفيدين. واذا أخذنا علي سبيل المثال المواصفة الدولية الأيزو 9004“Quality management systems-Guidelines for performance improvements” ، نجد أنها تطورت عبر الزمن ، فقد صدرت أول مرة عام 1994 في صورة إرشادات عامة لتحسين الأداء لنظم إدارة الجودة، وذلك لضمان جودة المنتجات والخدمات التي تقدمها المنشأة، ثم توالت الإصدارات المعدلة عام 2000 وعام 2009 حتي الإصدار الأخير عام 2018- وهو الإصدار الرابع- بعنوان"إرشادات لتحقيق النجاح المستدام"“Quality Management- Quality of an organization- Guidance to achieve sustainable success”، وهذه المواصفة تركز علي جودة المنشأة ككل وتتناول العلاقة بكل الأطراف المعنية وتأثيرهم علي المنشـأة، كما تشجع عملية التقييم الذاتي، ويتضمن ذلك التكيف مع العناصر المتغيرة باستمرار والتي تؤثر على نجاح المنشأة مثل المسؤولية المجتمعية والعوامل البيئية والثقافية والكفاءة والجودة وسرعة الحركة. وتوصي المواصفة ISO 9004: 2018 بمشاركة الإدارة العليا لفهم سياق المنشأة، وترتيب القضايا الخارجية والداخلية، وتحديد هوية المنشأة (بما في ذلك مهمتها ورؤيتها وقيمها وثقافتها)، وإستخدام إدارة العمليات والموارد، والإهتمام بالبنية التحتية وبيئة العمل، والاستعانة بالتقييم الذاتي، وتوجيه هذه الجهود في النهاية إلى تلبية احتياجات وتوقعات الأطراف المعنية باستمرار على المدى الطويل، مع العمل علي أن تدعم الأهداف قصيرة ومتوسطة المدى هذه الإستراتيجية طويلة المدى.
وعند البحث في معايير التميز المتعارف عليها في إطار عدد من نماذج الجوائز العالمية، نجد أنها تتقارب مع هذه المفاهيم، وسنلقي الضوء - علي سبيل المثال - علي كل من جائزة مالكولم بالدريدج (جائزة التميزالأمريكية)، وجائزة التميز الأوربية EFQM.
أولا: جائزة مالكوم بالدريج
جائزة مالكولم بالدريدج تمثل الإعتراف الرسمي الوحيد بالتميز لكل من المنشآت العامة والخاصة الأميركية من خلال برنامج بالدريدج للأداء المتميز، الذي يديره المعهد الوطني للمواصفات والتكنولوجيا ، التابع لوزارة التجارة الأمريكية. حيث يتم منح ما يصل إلى 18 من الجوائز سنويا عبر ست فئات من المنشآت الصناعية والخدمية، والأعمال التجارية الصغيرة، والمنشآت العاملة في مجال التعليم، والرعاية الصحية، والمنشآت غير الربحية.
أنشئت جائزة بالدريدج الوطنية للجودة والبرنامج الخاص بها وفقا لقانون رقم 100-107 موقع من الرئيس الأمريكي في 20/8/1987. وأطلق علي البرنامج والجائزة إسم مالكولم بالدريدج، وهو أحد رواد إدارة الجودة الشاملة الأمريكية و شغل منصب وزير التجارة في عهد إدارة ريجان من عام 1981 حتى وفاته عام 1987، وتم منح أول جائزة للجودة عام 1988، ثم تم تغيير إسم البرنامج في عام 2010 إلى برنامج بالدريدج للأداء المتميز ليعكس التطور في مجال الجودة من التركيز على جودة المنتج والخدمة والتركيز على العملاء إلى مفهوم أوسع يركز علي الاستراتيجية التنظيمية الشاملة و التفوق في الأداء العام. يعتمد إطار الجائزة على القيم والمفاهيم الأساسية التي تمثل المعتقدات والسلوكيات الموجودة في المنشآت المتميزة الأداء، ويتضمن ذلك كل من منظور النظم، القيادة البصيرة، التميز بالتركيز علي العميل، تثمين الأفراد، التعلم التنظيمي وسرعة الحركة، التركيز على النجاح، الإدارة من أجل الابتكار، الإدارة بالحقائق، المساهمات المجتمعية، الأخلاق والشفافية، وتقديم القيمة والنتائج. وتركز الجائزة علي أداء المنشأة في خمس مجالات رئيسية هي نتائج المنتجات والعمليات، نتائج العملاء، نتائج القوي البشرية (العاملين)، نتائج القيادة والحوكمة، النتائج المالية والأسواق. وتتضمن معايير جائزة بالدريج ( 7 ) معايير رئيسية و ( 19) معيارا فرعيا، نوجزها فيا يلي :
ثانيا: نموذج التميز الأوروبي EFQM
نموذج التميز الأوروبي EFQM نموذج عالمي تتبناه العديد من الدول منها بريطانيا وايطاليا وفرنسا وروسيا وبولندا وفرنسا وتركيا وسويسرا وألمانيا والمملكة العربية السعودية وكولومبيا والأردن وقطر واسبانيا وبلغاريا والإمارات والدنمارك وغيرها…
ففي عام 1988 تم إنشاء المؤسسة الأوربية لإدارة الجودة، وفي عام 1991 تم بناء إطار ومفاهيم نموذج التميز وبعدها بعام في عام 1992 كانت أول دورة لجائزة الجودة الأوروبية، وفي عام 2000 تم أول تعديل على نموذج التميز الأوروبي. ويقوم نموذج التميز الأوروبي على ثمانية مبادئ وتسعة معاييررئيسية و (32) معيار فرعي، نجملها فيما يلي:
المبدأ الأول: تحقيق نتائج متوازنة
المبدأ الثاني: صناعة القيمة المضافة للزبون
المبدأ الثالث: القيادة برؤية وإلهام ونزاهة
المبدأ الرابع: الإدارة بالعمليات
المبدأ الخامس: النجاح من خلال العاملين
المبدأ السادس: دعم الإبداع والتجديد
المبدأ السابع: تطوير الشراكات
المبدأ الثامن: تحمل المسؤولية من أجل مستقبل مستدام
أما معايير الجائزة الأوربية للتميز EFQM ( النموذج الأوروبي) الرئيسية التسعة فتنقسم إلى قسمين الأول هو عناصر التمكين أو الممكنات وهي القيادة، والسياسات والاستراتيجيات، والموارد والشراكة، والعاملون (الموارد البشرية)، العمليات، والقسم الثاني هو النتائج و تشمل نتائج العاملين، ونتائج المستفيدين، ونتائج المجتمع ونتائج الأداء العام. ويتفرع من كل معيار رئيسي عدد من المعايير الفرعية علي النحو التالي:
مما تقدم إيجازه من أمثلة يتبين أن متطلبات المواصفات الدولية لنظم الإدارة تتناول نفس المفاهيم والمسائل التي تؤسس وتدعم المبادئ والمعايير التي تقوم عليها برامج وجوائز التميز. وعلي ذلك ، فان إجابة السؤال أعلاه هي التكامل وليس التنافس لأن مختلف المواصفات الدولية لنظم الإدارة التي تسعي المنشآت إلى تطبيقها والحصول علي شهاداتها لا يمكن أن تحل محل جوائز التميز أو تكون بديلا لها، بل هي أحد الأدوات و الوسائل التي تمهد الطريق و تساعد هذه المنشآت في الوصول إلى التميزالمؤسسي.