وزارة التجارة والصناعة
المعهد القومى للجودة

جودة الحياة

جودة الحياة

 

بقلم.

د. شهيرة الجبار

جودة الحياة (Quality of Life) مصطلح تم تدواله بكثرة في السنوات الأخيرة. مصطلح إرتبط بمواضيع مثل التنمية المستدامة .. بناء الإنسان .. التنمية البشرية .. ومستوى المعيشة .. حتى أصبح ذو دلالات واسعة النطاق وغير محددة.  إن المرء يستطيع أن يتناول عن اى جانب من جوانب الحياة و يدرج القول تحت مسمي جودة الحياة. و لذلك فإن هذا المقال و ما يليه إن شاء الله إنما هو محاولة لرد الأمر لأصله ومناقشة المصطلح الجديد مناقشة علمية (برغم من حداثة العلم ) موضوعية يستطيع الشخص العادى من خلاله (المقال) تناولها و فهم تطبيقاتها وقياسها علي نفسه ومن حوله.

بداية كلمة جودة لغةً .. تعنى الإتقان فالشىء الجيد هو الشىء المتقن الصنع الخالي من العيوب أو الصفات التى تنقص من كماله. ويظهر ذلك جليا في عدد من آيات القرأن الكريم، ومنها قول الله سبحانه وتعالى في سورة النمل (آية 88): بسم الله الرحمن الرحيم "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون" صدق الله العظيم.

أما الجودة إصطلاحا : هي مقياس للتميز أو حالة الخلو من العيوب والنواقص والتباينات الكبيرة عن طريق الالتزام الصارم بمعايير قابلة للقياس وقابلة للتحقق لإنجاز تجانس وتماثل في الناتج ترضي متطلبات محددة للعملاء أو المستخدمين. و كلا المعنيين لا يستقيم استخدامه لمقصود لجودة الحياة لدى البشر فبطبيعة الأمر فإن الحياة ليست كاملة لأننا نعيش في الحياة الدنيا و ليس الجنة كما أن الحياة ليست سلعة لها معايير ثابتة. إذاً فجودة الحياة لدى البشر إنما هي شيء نسبى و متغير بحسب الزمان و المكان و الأفراد أنفسهم.

وجودة الحياة مصطلح حديث نسبيا (1998) أول من استخدم كان عندما تناوله "مارتين سيلجمان" (Martin Elias Pete Seligman) في خطابه للدورة الافتتاحية للجمعية الأمريكية لعلم النفس لفرع من فروع علم النفس الإيجابي و استخدم بمفهوم الصحة النفسية والشعور بالرضا و السعادة و علم النفس الإيجابي هو علم يؤكد على دراسة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تحسين الأداء النفسي الوظيفي للكائن البشري، بما يتجاوز نطاق أو حدود الصحة النفسية العادية وهذا المفهوم إنما يمثل شطر محددات جودة الحياة فقط وليس جميعها.

 

ونظرا لحداثة هذا العلم و محدودية الدراسات حوله نسبيا فقد تباينت التعريفات ومنها:

  • الشعور الشخصي بالكفاءة الذاتية واجادة التعامل مع التحديات.
  • السعادة والرضا عن الذات والحياة الجيدة.
  • رقي مستوى الخدمات المادية والاجتماعية التي تقدم لأفراد المجتمع، والنزوع نحو نمط الحياة التي تتميز بالترف، وهذا النمط من الحياة لا يستطيع تحقيقه سوى مجتمع الوفرة، ذلك المجتمع الذي استطاع أن يحل كافة المشكلات المعيشية لغالبية سكانه.
  • شعور الفرد بالرضا والسعادة والقدرة على إشباع حاجاته من خلال ثراء البيئة ، ورقي الخدمات التي تقدم له في المجالات الصحية، والاجتماعية، والتعليمية والنفسية مع حسن إدارته للوقت والاستفادة منه.

وعلى الرغم من عدم الإتفاق على تعريف واحد لمفهوم جودة الحياة، إلا أنه عادة ما يشار في أدبيات المجال إلى تعريف منظمة الصحة العالمية (1995) بوصفه أقرب التعريفات إلى توضيح المضامين العامة لهذا المفهوم، إذ ينظر فيه إلى جودة الحياة بوصفها "إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة، وإنساق القيم التي يعيش فيها ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع أهدافه، وتوقعاته، وقيمه، واهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، وحالته النفسية،و مستوى استقلاليته، وعلاقاته الاجتماعية، واعتقاداته الشخصية، وعلاقته بالبيئة بصفة عامة، وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا المعنى تشير إلى تقييمات الفرد الذاتية لظروف حياته.

من خلال تلك التعريفات المختلفة نرى أن جودة الحياة إنما تنقسم إلى قسمين: جودة الحياة لدى المجتمعات وجودة الحياة لدى الأفراد وهذا القسم هو ما ستناوله في هذا المقال.

من أوائل القياسات لدرجة رضا الانسان عن حياة وإشباع الإحتياجات البشرية "هرم ماسلو  Maslow's hierarchy of needs " لاحتياجات الإنسانية و منها إنبثق مفهوم  بمعني شعور الفرد بالإشباع والرضا فيما يخص احتياجاته الفيسيولجية والنفسية علي التوالي و التبادل.

 

 

تلك الاحتياجات التي أصبحت من اقوى أدوات التحفيز في علم الإدارة ودوافع الجريمة في علم الإجرام. أما في علم النفس الإيجابي وجودة الحياة فإن تلك الاحتياجات تفرعت وتعددت ونتج عنها مؤشرات جودة الحياة. ومن أهم وأشهر تلك المؤشرات مؤشرات جودة الحياة طبقا لمعايير الأمم المتحدة. ومعظم الدراسات في علم النفس الإيجابي فيما يخص جودة الحياة وجودة الحياة النفسية علم النفس الايجابى والتي تم حصرها في عدة مؤشرا ت جميعها لازمة و ضرورية لتحقيق جودة الحياة فهي تعد بحق معايير جودة الحياة للأفراد ولكن مدى أو درجة تحققها يخضع للتقدير الشخصي للفرد نفسه.

معايير جودة الحياة لدى الأفراد: (المأكل - الملبس - السكن - البقاء - ضمان البقاء - الحب المتبادل - وجود شريك للحياة – الانتماء - الحاجة الي التقدير - التعبير عن الذات – التعلم – الترفيه – الحاجة إلى الإنجاز - حرية التنقل - وجود من يحتاج إليك لتعتني به (المسؤولية عن الآخر) - قدرة الفرد علي الاعتناء بنفسه - الثقة في التحسين المستمر - وجود معني للحياة).

والأهم هو احتياج الإنسان للإيمان (العقيدة) بوجود قوى عليا تتحكم فيما لا نستطيع التحكم به (كقوى الطبيعة و المجهول و المستقبل) ترعانا وتوجهنا، ولذلك بحث الإنسان الأول قبل الديانات السماوية عن إله ولو كان حجرا . فوجود إله أو قوى عليا هو احتياج مكمل لاحتياج الأمان و المعني والثقة في تحسين مستمر.