وزارة الصناعة
الهيئة المصرية للمواصفات والجودة المعهد القومى للجودة

سبل دعم التفكير لدى المرؤوسين طبقا للمواصفة ISO 10018 (الجزء الثاني)

سبل دعم التفكير لدى المرؤوسين  طبقا للمواصفة ISO 10018 (الجزء الثاني)

بقلم.

د. هانئ أحمد توفيق

ظهر في الآونة الأخيرة احتياج كبير لإشراك المرؤوسين في دراسة والبحث عن حلول جديدة لمشكلات قديمة أو مستحدثة خاصة بعد التطورات الكبيرة والتغيير الذي تم وما زال يتم في طبيعة الأعمال وفي الظروف والبيئة المؤثرة على أساليب العمل وطرقه، وهو الأمر الذي لم يعد مقبولا فيه ترك التفكير لشخص واحد على قمة الهرم الوظيفي قد يصيب وقد يخطئ ظنا منه أنه هو الوحيد المؤهل لإصدار القرارات طبقا للمسئولية الملقاة على عاتقه. وكان مفهوم التمكين، أي منح الفرصة للمرؤوس أن يأخذ قرارا على عاتقه، قد لاقى قبولا كبيرا في فترة ماضية لكن واجه صعوبات في التطبيق نظرا لعدم إعداد المرؤوسين الإعداد الجيد والمطلوب للتفكير بأسلوب ممنهج، والاحتياج إلى تعديلات في العمليات والإجراءات تناسب التكليف الجديد والمهام المستحدثة، بالإضافة إلى الاحتياج إلى إعداد القادة لتقبل التغيير الناشئ عن عملية التمكين ومنح الفرصة للمرؤوسين والمساحة الكافية والوقت اللازم للتفكير، والإنصات إلى ما يتقدمون به من مقترحات أو أفكار تحتاج لدراسة. وهو ما يسمى في علم الإدارة "صناعة القرار" تمهيدا لوضع ما خرجوا به أمام المسئول لاتخاذ قرار واختيار ما بين بدائل.

إشراك المرؤسين جاء في مواصفة دولية خاصة هي ISO 10018: 2012   وقد تعرضت لها  في عدد سابق العدد 14 من مجلة مجتمع الجودة. أما في هذا المقال فيهمني أن أستعرض طرقا وسبلا لإعداد ودعم المرؤوسين "للتفكير" بأسلوب ممنهج يسمح لهم بالخروج بأفكار ومقترحات قابلة للتطبيق.

فيما يلي نذكر بعض المقترحات لتحديد أدوار الفريق ونستعرض بعض سبل تشجيعه على التفكير البناء:

  1. تحديد أدوار فريق العمل:

إتفق أغلب علماء الإدارة على أن أعضاء الفريق يساهمون في عمل الفريق على الأقل بواحدة من طريقتين:

  • عن طريق أدوارهم الوظيفية (Functional role) ، كقائد وإداري ومنسّق وكاتب تقارير ومصمم وداعم وجامع معلومات وموثق وغيرها من الوظائف الأخرى.
  • عن طريق دورهم التفاعلي في الفريق (team role) ، والمقصود به  هو طريقة تواصلهم وتفاعلهم مع أعضاء الفريق من أجل تطوّر ونمو الفريق نحو الهدف الأساسي

وقد تم تطوير العديد من الأنظمة التي تساعد على التعرف على المهارات والمواصفات الفرديّة والتي من شأنها المشاركة في دور الفريق أو أن تكون أحد خصائصه هذه الأنظمة أو التصنيفات والتي يمكن أن يستخدمها الفريق كوسيلة لإعداد أعضائه للعمل المكلفين به، والتي تساعد الفريق والأعضاء على التعرف على نقاط قوة وضعف الفريق فرديا وجماعيا ومساعدتهم على تخطّي نقاط الضعف وتحويلها إلى نقاط قوة.

أحد أشهر الأنظمة لتصنيف أدوار الفريق والتعرّف عليها هو نظام ابتكره الدكتور ميريديث بلبن (Dr. Meredith Belbin) هذا النظام ابتكره عن طريق ملاحظة ومتابعة الدراسات التي عملها على مئات من الفِرَق الصغيرة أثناء قيامها بمشاريع بسيطة. وكنتيجة أساسية لبحثه ، يقول Belbin بأن كل فرد في الفريق يتصرّف بطريقة يمكن تصنيفها من ضمن تسع  تصنيفات مختلفة. وبالإضافة إلى هذا ، وجد Belbin أن الموازنة بين تصنيفات الأدوار المختلفة لمختلف الأعضاء ستكون مؤثرة على نجاح أو فشل أداء الفريق، من هذه التصنيفات "المفكر" وهو عضو الفريق الذي يميل إلى الإبداع والخيال والتفكير غير التقليدي وهو شخص مبدع وعادةً يكون مصدرا لأفكار الفريق .

وتوزيع الأدوار من المحتمل أن يتغير أثناء العمل على المشروع.  ففي البداية سيحتاج الفريق إلى مفكِّر أو أكثر حتى يعطون الفريق بعض الأفكار والاقتراحات التي تساعد الفريق على إنهاء المشروعوبعدها سيحتاج الفريق إلى منفّذ أو منفذين يقومون بتحويل هذه الأفكار إلى واقعوقبل نهاية المشروع سيحتاج الفريق إلى منهي يقوم بالتأكد من أن المشروع سيتم تسليمه في الموعد المحدّد وبالجودة المحدّدة. وخلال جميع المراحل يجب أن يكون هنالك منسِّق يراقب جميع هذه الأحداث والاسهامات من باقي الأعضاء ، وسيكون دوره الوظيفي هو القائد.

يوجد هنالك نظام آخر لتصنيف أدوار الفريق اسمه (Management Team Role Indicator – MTRI) وهو يحتوي على ثمانية طرق مختلفة يمكن للأعضاء أن يتفاعلوا ويتواصلوا من خلالها للمساهمة في الفريقويوجد تشابه كبير بينها وبين أدوار بلبن.

ويوجد أيضاً نظام لتصنيف أنماط الشخصيات ، وأشهرها هو تصنيف Myers-Briggs.  في هذا التصنيف يتم توزيع الأفراد في واحد من أربعة أقسام تحتوي على خصائص متضادة.

وهناك بعض الملاحظات على الأدوار التفاعلية داخل فرق العمل منها أن الدور الذي سيقوم به كل عضو ليس ثابتاً ، فدور كل فرد من الممكن أن يتغير بالاعتماد على عدة عوامل منها خبرة أعضاء الفريق وطول مدة المشروع والمعلومات المجمعة والمطلوبة وكذلك الموارد المتاحة والمطلوبة. وفي حالة ما إذا كانت بعض الأدوار شاغرة في الفريق ، فمن الممكن أن يقوم أحد الأعضاء بهذه الأدوار كدور ثاني في الفريق. حينها يمكن لكل من أعضاء الفريق أن يطور ويكتسب مهارات جديدة للعمل الجماعي.

  1. استكشاف مهارات أعضاء الفريق: 

من المفيد في مراحل تكوين وبناء الفريق الأولى أن يتعرّف كل منهم على المهارات المختلفة الموجودة لدى الأعضاء الآخرين مما يساعد على استغلال هذه المهارات لتحقيق الهدف بشكل مثالي وبدون مشاكل وأحد الطرق التي تساعد في كشف مهارات الأعضاء هي أن يقوم كل عضو بتلخيص المهارات التي لديه ويستطيع أن يفيد الفريق بها. وقد يتم مناقشة هذه المهارات وتحديد مدى صلاحيتها لخدمة أهداف الفريق. وقد يحتاج الفريق إلى من يساعد أعضائه في استكشاف المهارات والجدارات الكامنة التي لا تتيح لها الأنشطة اليومية فرصة الظهور سواء لضغط العمل أو لعدم إدراك العضو نفسه لمهاراته التي قد يمتلكها دون علم منه.

أحد فوائد مثل هذا الاستكشاف هو أنه سيدل الجميع على بعض المهارات الضرورية والتي يحتاجها الفريق خلال أداء المهام أو حتى في بداية تصميمها وتوزيعها وفي هذه الحالة يمكن أن يقوم بعض الأعضاء بتعلّم مثل هذه المهارات قبل الحاجة إليها.  و هنا تعتبر عملية اكتساب المهارات لدى الأفراد من ضمن خطة المشروع لأنها ستحتاج إلى بعض من الوقت.

فعلى سبيل المثال ، لو طُلِبَ من الفريق تصميم وبناء مشروع عمل ، فإن الفريق سيحتاج إلى مهارات وخبرات في التصميم والبرمجة والتطوير والتقييم.  فلو كان أعضاء الفريق على علم بالتصميم والتطوير فقط ، فإنه يتوجب أن يقوم بعض الأعضاء بالبحث عن باقي المهارات وتعلّمها حتى يستطيع الفريق أن يصمم المشروع وينفذه على أكمل وجه.

  1. تحليل المشكلات المطلوب حلولا لها:

من أهم الخطوات التي تشجع وتحفز المرؤوسين على التفكير هي منحهم الفرصة وإعطائهم المساحة اللازمة لتحليل المشكلات المرتبطة بالعمليات المتعلقة بالمنظمة التي يعملون بها وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات ما بين الأطراف المعنية المختلفة سواء كانت داخلية أو خارجية. فتحليل المشكلات هو السبيل الأمثل للتعرف وتحديد الأسباب والنتائج لكل منها واختيار أفضل الحلول لها. ولتحليل المشكلات أدوات معروفة منها عظمة السمكة (Fishbone Diagram) والخمسة لماذا (5 Why) وغيرها. وبالطبع فإن لكل منظمة طبيعة خاصة تسمح باستخدام أداة قد تختلف عن منظمة أخرى. ومن المعروف والمعمول به أنه خطوات تحليل المشاكل ثلاث هي تحديدها ثم تحليلها وصولا لوضع الحل والحل البديل.

  1. تشجيع التساؤل باستمرار:

يجب أن يعمل الرؤساء على تشجيع ملكة التساؤل عند المرؤسين خاصة عن تطبيقات النظريات/المبادئ سواء تلك الموضوعة وتعمل في إطارها المنظمة أو تلك المستحدثة لتناسب حجم التغيير الحادث في بيئة العمل. ولا يخفى أن الاتجاه الآن هو الالتزام بمعايير دولية التي انتشرت لتغطي كافة مجالات الأعمال سواء عن طريق منظمة التقييس والمواصفات الدولية الأيزو (ISO)، أو تلك المحلية التي تعتمدها هيئة المواصفات والمقاييس المصرية. والتساؤل بمعناه المبسط هو طرح أسئلة افتراضية ومحاولة الإجابة عليها عن طريق جمع معلومات عن الموضوع المطروح ثم إعادة طرح أسئلة للتأكيد على الإجابات التي قد يصل إليها المرؤوس في المرحلة الأولى للتساؤل.

  1. تنمية الحرص على اكتساب المعرفة واكتساب المهارات:

من الاتجاهات الحديثة هو مفهوم إدارة الجدارات والتنمية البشرية كما جاء بالمواصفة الدولية  ISO10015-2019   ومن متطلباتها وضع خطة تطوير لمهارات وقدرات ومعارف العاملين من خلال خريطة جدارات تعتمدها المنظمة تحدد فيها ما هي الجدارات المتوفرة وتملكها المنظمة على المستويين الفردي والجماعي؟ وأين توجد؟ وكيف تنميها وتحتفظ بها؟ وكذا توثيق واكتساب المعارف عن مجال العمل الذي تختص به وتحديد احتياجاتها من معارف جديدة تتماشى مع متطلبات السوق والأطراف المعنية داخليا وخارجيا. 

  1. التدريب على سبل إدراك المواقف:

يحتاج المرؤسين لعملية مستمرة من الإعداد والتوجيه نحو كيفية إدراك المواقف وأسباب حدوثها وتكرارها ووضع تصور للتصرف تجاهها. وهي عملية لا يجب أن تترك للظروف أو تأتي كرد فعل للموقف بل هي عملية تحتاج لتدريب وتأهيل ومحاكاة ودراسات حالة وتفكير على كل المستويات لمقابلة المواقف بما يلزم لها من احتياطات واستعدادات. هذا الاتجاه يجب أن يكون في ذهن القيادة العليا للمنظمة تحسبا لمواقف قد توجد فيها المنظمة دون استعداد مما قد يتسبب إلى خسارة فادحة أو حتى قد تؤثر على وضع المنظمة في السوق وخروجها منه في  بعض الأحيان. وما حدث لنوكيا ليس ببعيد عن الأذهان.

وعلى الله التوفيق،،