وزارة الصناعة
الهيئة المصرية للمواصفات والجودة المعهد القومى للجودة

الجودة وتنمية المجتمع الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها المنشودة

الجودة وتنمية المجتمع  الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها المنشودة

بقلم .

ل.د.م/ عز الدين الحمزاوي

أصبح مدخل التطور الإنساني والحضاري هو المعرفة، والمعرفة بدورها مدخلها هو التنمية البشرية. والمدخل الرئيسى للتنمية البشرية هو التعليم والتربية الجيدان في البناء والوظيفة وفق شروط ومعايير للجودة. وعليه، فالثورة الثالثة لن تكون غير ثورة المعرفة بامتياز.  ومن هنا تنبع مسوغات الحديث عن التنمية البشرية والجودة والعلاقة بينهما. وحتى نقارب الموضوع مقاربة ممنهجة وموضوعية لابد من تحديد مفهوم كل من التنمية البشرية والجودة وتقاطعاتهما، والخلوص إلى نوعية العلاقة الموجودة بينهما. ولتعريف التنمية، فإن الإنسان منذ القدم يعيش في جماعات ولا يحب أن يعيش منعزلا عن الناس، لأنه مدني بطبعه وبحاجة إلى التعايش والانتماء، وتسمى نظرية الحاجات والدوافع، فظهرت الحاجة إلى تعلم مجموعة من المهارات كوسيلة مهمة لتسيير أموره وأمور المجتمع وأفراده؛ إذاً فإن التنمية لا تحدث إلا من خلال تطبيق العلوم والمعارف والمهارات، و أنً فالفرد هو وسيلة التنمية وهو غايتها. ولأن التنمية البشرية وتنمية المجتمع لاتتم إلا من خلال تطبيق العلوم والمعارف، إذا الفرد هو وسيلة التنمية ولايتم نجاح أى خطط للتنمية إلا من خلال حسن استخدام الموارد المتاحة كشرط أساسي للنجاح مدخلها التعليم والتربية وفق شروط ومعايير الجودة والتميز. ونستطيع أن نجزم بأن نجاح خطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية وتحقيقها لأهدافها لا يمكن أن تتم إلا بحسن استخدام الموارد المتاحة المادية والبشرية وتطبيق وإدارة المعرفة والمهارات لإحداث التنمية، وتسمى تنمية المجتمع أو التنمية البشرية أو التنمية المستدامة، كشرط أساسي لنجاح أي مشروع في أي مجال من مجالات الأنشطة التنموية أو التربوية أوالإقتصادية أوالزراعية أوالصناعية أو الخدماتية.

ما هي الجودة: هي المنهج أو خارطة الطريق أو الوسيلة والطريقة المستخدمة في مجالات الأنشطة المختلفة، لتحقيق أهداف واضحة في خطة عمل أعدت من أجل ضمان الحصول على مخرجات غير معيبة. وخلال الحديث عن تنمية المجتمعات فإن البلدان النامية تواجه كثيراً من المشكلات التي تحتاج إلى قدرة وكفاءة وفعالية لمواجهتها والتصدي لها وحلها حتى يمكن أن تحقق أهدافها التنموية المرغوبة، وتلك هي مهمة الجودة.

إدارة التميز: تتضمن إدارة التميز مختلف الإجراءات والأساليب التي تمكن المجتمعات من مواجهة المنافسة ورفع أدائها والفوز بولاء أفرادها، وذلك من خلال التطوير والتحسين المستمر لآلياتها وسياساتها وأساليبها، وتنمية وتطوير الكفاءات والمهارات وتشجيع الابتكار والتواصل وتنمية العلاقة وتحسينها مع البيئة المحيطة بها وتطبيق مبادىء الجودة وحتى الوصول لإدارة الجودة الشاملة. فإدارة التميز هي تلك الأنشطة التي تجعل المجتمع متميز ومتفوق في أدائه عن باقي المجتمعات وذلك من خلال توظيف القدرات والموارد المتاحة توظيفا فعالا ومتميزا بشكل يجعله متفوق ومتفرد من خلال كيفية أداء أنشطته وعملياته، وكيفية تصميم وإعداد سياساته واستراتجياته الإدارية والتنظيمية.

إدارة المعرفة: يمكن اعتبار إدارة المعرفة على أنها مختلف الأنشطة المنظمة والمخططة والموجهة إلى الحصول على المعرفة عن طريق الإنتاج أو اقتنائها جاهزة من مصادر خارجية ثم الاستفادة منها، ويمكن اعتبار المعرفة على أنها مجموعة المعلومات والأفكار ومختلف المنتجات الفكرية والذهنية التي تعبر عن حقائق أو علاقات أو نماذج، سواء كانت علنية ظاهرة قابلة للتداول والتقليد أو كانت ضمنية تظهر في شكل تصرفات وسلوكيات الأفراد، حيث تكون نتيجة لتفكير ذهني أو ممارسات وتجارب ميدانية أو مزيج بينهما. ومن هذا فإدارة المعرفة تتضمن مجموعة من الأنشطة، وهي البحث عن مصادر المعرفة، والحصول عليها أو تنمية القدرات والمهارات المعرفية ودفعها لإنتاج المعرفة.

إدارة الكفاءات:  الكفاءات هي مجموع القدرات والمهارات الفارقة والمتميزة التي يتميز بها المجتمع وتشكل أساس تنافسيته وهي ذات مصدر داخلي يضمن الاستمرارية والنمو للمجتمع ويضمن له الاستخدام الإقتصادي السليم لموارده وتحقيق أهدافه، ويشير مفهوم إدارة الكفاءات إلى تلك الأنشطة والجهود التي تهتم بتوفير تلك الكفاءات والمحافظة عليها وتنميتها وتوفر لها الظروف المناسبة للعمل والمحفزات الضرورية لبقائها ودفعها نحو بذل أقصى جهد ممكن بشكل يدعم تنافسية المجتمع.

التمكين: يقتضي للفرد توفير كافة الإمكانيات والظروف المناسبة لتحرير طاقاته وإبراز قدراته، وذلك من خلال حرية المبادرة والتصرف، وهذا يقتضي من المجتمع توفير الدعم المناسب للفرد من التعليم والتدريب المناسب لبناء قدراته، كما أن التمكين يكون فيه الفرد متحملا للمسؤولية بكاملها. 

لقد أدى التقدم المعرفي والتكنولوجي والإقتصادي والصناعي للمجتمع الإنساني إلى زيادة الطلب على العنصر البشري المتميز بالجودة العالية وبالقدرة والكفاءة على مواجهة تحديات التنمية في مختلف مناحي حياة المجتمع،  مما ظهر معه أهمية الخريج الإنساني المتميز في العصر الحالي والعمليات اللازمة ضمانا لجودة الخريج.

ومهمة الجودة  أن تحقق الأهداف التنموية المرغوبة من خلال كلا من: إدارة التميز و إدارة المعرفة، وإدارة الكفاءات.

و تمثل التنمية البشرية تلك الأنشطة التي ترفع قدرات ومهارات العنصر البشري لغايات إنسانية أي بغرض زيادة قدرته على مواجهة تحديات وصعوبات حياته، فهي تنظر إلى العنصر البشري كإنسان وبذلك فهي تركز الجهود لتنميته لذاته، حيث يتم تقييم الجهود في إطار التنمية البشرية بمؤشرات إنسانية تدل على مدى تحسن حياة ورفاهية الإنسان ومن أمثلتها مستوى التعليم والمستوى المعيشي ونسبة البطالة ...إلخ، على عكس تنمية الموارد البشرية التي تقوم برفع قدرات ومهارات العنصر البشري في العملية الإنتاجية أي بغرض زيادة مساهمته في العملية الإنتاجية فهي تنظر إلى العنصر البشري كمورد للعملية الإنتاجية لهذا فهي تركز على طاقاته وقدراته التي يتمتع بها. ويتم تقييم العنصر البشري، في هذه الحالة، بمدى مساهمته في العملية الإنتاجية، ومن أمثلتها إنتاجية الفرد.

ماهو دور التربية والتعليم في التنمية البشرية: لا تتحقق التنمية البشرية إلا بعنصر بشري مكون تكوينا جيدا في مختلف مناحي شخصيته، وفي مختلف حقول وظيفته ومعيشته وأدواره في الحياة. والتكوين الجيد لا يتجلى في المجتمع إلا من خلال مداخل معينة في مقدمتها مؤسسة التربية التي تؤدي وظيفتها في إطار من التخطيط والتوجيه والضبط والمسؤولية، وبآليات وأدوات وأساليب ممنهجة وعلمية، ضمن شروط ومطالب معينة، تهيؤها السياسة التربوية مع تكامل وتلاحم مع مجموع مداخل التنمية البشرية الأخرى المباشرة كالثقافة وغير المباشرة كالسياقات الإجتماعية والتطورات المحلية والدولية.

المستوى التطبيقي: نعلم أن النظريات التي لا تطبق أو التي لا تنتج تطبيقات في الواقع هي مجرد ترف فكري، والتعليم والتربية التي ليس لها عائد تطبيقي هي مضيعة للوقت، وهدر للطاقات والقدرات. وبالضرورة فإن التعليم والتربية التي لا تسعى إلى جودتها في حد ذاتها هي نسف لرأس المال البشري، ونسف لمستقبل البلاد، مما يستدعي النقد الذاتي، والتساؤل اليومي حول الأداء اليومي لمنظومة التربية.

العلاقة بين التنمية البشرية والجودة: تَنْصَب التنمية البشرية على العنصر البشري، في حين أن الجودة تَنْصَب على خصائص هذا العنصر وعلى آليات وأدوات وأساليب واستراتيجيات التربية والتعليم في تحقيق تلك الخصائص والمواصفات. و يتطلب تميز الخدمة التربوية والتعليمية الاهتمام بالكم والنوع معا، لتحقيق التطوير الحقيقي المنشود في مجال التعليم، و يتبين، من المنطلق والهدف، أن التنمية البشرية ترتبط بعلاقة طردية متبادلة بالجودة، بمعنى إذا ارتفع مؤشر الجودة ارتفع مؤشر التنمية البشرية، والعكس، إذا انخفض مؤشر الجودة انخفض مؤشر التنمية البشرية، وهكذا مع اتجاه التنمية البشرية نحو الجودة وجودة الحياة.

وإلى مقال قادم - إن شاء الله - يتعلق بجودة الحياة واستقصاء المجموعة الأوروبية عن جودة الحياة.