وزارة التجارة والصناعة
المعهد القومى للجودة

ثقافة الجودة أولاً

ثقافة الجودة أولاً

بقلم.

دكتور/ مدحت عبد الوهاب

الجودة هي أسلوب حياة قبل أن تكون أسلوب عمل. فما العمل إلا جزء من ممارسة الحياة بأشكالها المختلفة، وحتى نستطيع الاستفادة من الجودة في حياتنا الشخصية والعملية يجب أن يتمتع المجتمع بثقافة الجودة. ومن المفاهيم السائدة في المجتمع الاعتقاد بأن تطبيق نظم إدارة الجودة المختلفة بمؤسسات الأعمال هي السبيل الرئيسي لتطبيق الجودة، لذا تسعى الكثير من المنظمات في دول العالم إلى تبني مفهوم الجودة وتطبيقه من أجل الوصول بمنتجاتها وبخدماتها إلى أعلى مستويات الكفاءة المأمولة بأقل تكلفة مادية ممكنة. ولكن في الواقع أن تبني مبادئ وفلسفة الجودة أهم من تطبيق المنظومة في حد ذاتها، حيث أنها هي حجر الأساس، فالجودة قناعة قبل أن تكون نظام إداري وإن لم يتبن جميع العاملين بمن فيهم المدراء والرؤساء وأصحاب العمل فكرة الجودة فلن يكون للنظام روح وسيكون التطبيق روتيني فقط لا غير، وعندئذ تتعالي الأصوات بعدم جدوى تطبيق نظم إدارة الجودة وطبعا يكمن السبب في عدم فهم فلسفة الجودة والاقتناع بها.

وقد أكد العديد من الكتاب والباحثين أن الاستخدام الناجح لأدوات وأساليب إدارة الجودة يكمن فى القدرة على تغيير الثقافة التنظيمية للمنشآت بحيث يصبح جذب الانتباه نحو الجودة جزءا طبيعيا من سلوك المنشأة، ومن ثم فإن دعم التغيير اللازم لتحويل المنشأة بحيث تكون الجودة طريقة للحياة وسلوك طبيعى لها يعتبر الحلقة الأساسية فى مدخل إدارة الجودة. ذلك أن خلق الثقافة التنظيمية التى تتفق وادارة الجودة يعتبر من أهم التحديات لبرنامج إدارة الجودة ، لأن لكل منظمة من منظمات الأعمال ثقافتها الخاصة بها، والتى تشمل فى مجملها العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات التى تحكم سلوك الأفراد والمجموعات فى المنشأة . كما يتوقف نجاح تطبيق منهج إدارة الجودة على مدى التهيئة الثقافية للمنشأة لتتوافق مع متطلبات التطابيق الناجح والفعال للجودة، ذلك أن هذه الثقافة تعتبر قابلة للتعليم والتغيير والإنتقال والتكيف. لذلك فمن الممكن تغيير محتوى الثقافة لدى العاملين وغرس ثقافات جديدة للجودة لديهم .

وعليه فإننا نرى أهمية تعزيز ثقافة و مفاهيم الجودة ومبادئها لدي الأفراد والمنشآت وتنمية روح الفريق والعمل الجماعي، ومحاولة إزالة العوائق بين الأقسام والإدارات وتعزيز وتنمية روح الإعتزاز بالعمل، والتأكيد على مبدأ الوقاية وليس الرقابة، وإرساء مفهوم السعي لتحقيق أهداف المؤسسة قبل الأهداف الشخصية كل ذلك قبل البدء في التخطيط لوضع نظام ادرة الجودة.

هذا ومن سابق خبراتنا في تقديم العديد من الاستشارات للتوافق مع نظم إدارة الجودة وجدنا صعوبة تحقيق أهداف الجودة بدون وجود أفراد لديهم كفاءات وقدرات تمكنهم من العمل على تحقيق متطلبات تلك المواصفات، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن جميع نظم إدارة الجودة تطلب من المنشأة جمع وتحليل البيانات، وأيضا، وضع خطط التحسين وقياس أداء العمليات وحساب مخاطرها وغيرها من متطلبات تحتاج إلي مهارات خاصة للعاملين. وللأسف نجد المنشآت تركز على إنشاء نظام إدارة جودة وإعداد النماذج الخاصة به ووضع السياسات والأهداف للحصول على شهادات المطابقة دون التركيز على قدرة فريق العمل على الانجاز بفعالية و بكفاءة وما مدي تأثير ذلك على نمو المنشأة.

لذا يجب على المنشآت بكافة أنواعها الراغبة في الحصول على شهادات المطابقة أن تبحث عن العائد الإيجابي على منظومة العمل وتغير فكر وثقافة العاملين، وقياس مدي التحسين الذي طرأ بعد التوافق مع متطلبات النظام، فان لم يكن فلتعلم أنها خدعت نفسها وصرفت من الأموال دون أي طائل سوي حصولها على ورقة مجرد ورقة لاتغني ولاتسمن من جوع.

وإذا كنا حريصون فعلا على تحقيق رفاهية المجتمع والنهوض بالأمة لمصاف الدول المتقدمة، فيجب علينا أن نصارح أنفسنا ونواجه معوقات التطبيق بقوة، وأول خطوة تكون نشر ثقافة الجودة وتغيير عادات المجتمع السلبية، ومن هنا يأتي دور الاستشاريين والخبراء المتخصصين في مجال الجودة للتجمع تحت قيادة المعهد القومي للجودة للقيام بحملة توعوية هدفها توصيل رسالة للمجتمع "أن الجودة ليست اختيار ولكنها واجب وطني".