بقلم.
د. هانئ أحمد توفيق
هناك من الأمراض الإدارية ما قد يعادل قوة تأثير الأمراض الجسمانية والعصبية والعقلية. فالأخيرة تؤثر على الجسد وتوهنه وقد تقضي عليه. والأولى كذلك، لكنها تؤثر على جسد المؤسسة التي يعمل بها الفرد المريض بداء إداري. من هذه الأمراض الإدارية ما يمكن الإطلاق عليه مرض الزهايمر الإداري ويتعلق في الأساس بقدرة الشخص عل استخدام قدراته العقلية والذهنية لصالح أداء الأعمال الموكل بتنفيذها. ونورد فيما يلي بعض أعراض هذا المرض.
هذا العر ض من أخطر الأعراض التي قد يمر بها الشخص سواء كان في وظيفة قيادية إشرافية أو حتى في وظائف الخط الأول التنفيذي. ولا يخفى أن نسيان الأحداث السابقة أو المعلومات يؤدي إلى اتخاذ قرارات في بعض الأحيان تسبب مشاكل عديدة وربما كوارث لا تغتفر. فمن المعلوم أن قراراتنا تبنى أساسا على الخبرات الماضية وتراكمها. مما يعني أن نسيان حدث ما أو معلومة حيوية قد يأخذنا إلى اتخاذ قرار أو تصرف عن نقص معلومة ينتهي بنتيجة غير مرغوب فيها. فما هو الحل؟ الحل هو تدوين وتوثيق الأحداث والمعلومات أولا بأول واللجوء إليها لمراجعة ما تم فيها قبل اتخاذ قرار بالمضي قدما. كما يفضل دائما ضم شخص إلى فريق العمل يجيد البحث عن المعلومات الموثقة وإحضارها إلى متخذ القرار قبل اتخاذه.
وقد يبدو هذا العرض متصلا بالعرض السابق إلا أنه يتعلق بعدم التركيز فيما يمر بنا من أحداث وعدم توثيق المعلومات بالقدر الذي يسمح باستدعائها وقت الحاجة. إن التكرار هنا يتعلق بعدم القدرة على التقاط المعلومة في الوقت المناسب وضياع الوقت في استدعائها مرات ومرات دون الاستفادة منها. والحل هو عدم الاعتماد على الذاكرة، بل يلزم الاعتماد على التوثيق وجلب المعلومة عند الحاجة من مصادرها الأصلية. ويفضل أن يكون هناك من يكلف بجمع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى معلومات يمكن الاستفادة منها وقت اللزوم. وهنا يجب تدريب هذا الشخص على كيفية جمع البيانات وفرزها وكيفية ربطها ببعضها البعض وتحليلها للوصول إلى نتائج. ويتم عرض النتائج فقط على المسئول الذي يكرر الأسئلة، فهو في الأساس يبحث عن الخلاصة وليس المعلومة.
أغلبنا ينسى تاريخ اليوم في لحظات ضغط العمل ومرور الوقت بدون ربطه بحدث أو وقفة خاصة في العمل الروتيني المتكرر. فما هي المشكلة إذن؟ المشكلة أن هذا العرض يؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على تنفيذ الخطة في جدولها الزمني المخطط. مثال على ذلك اللجوء إلى تنفيذ المطلوب في اللحظة الأخيرة بعد سلسلة من التأجيلات والتسويف وعدم تقدير قيمة الوقت بالشكل الكافي. فتأتي اللحظة التي نسأل فيها أنفسنا: ليه هو النهاردة إيه؟ ونكتشف أن النهاردة هو اليوم التالي لليوم المقدر في إنهاء العمل وتسليمه. بمعنى فوات الفرصة وانقضاء موعد إغلاق المشروع أو الخطة في موعدها المقدر لها. وبالتالي قد يترتب على ذلك مشكلات مالية أو قضائية أو التزامات نحو الآخرين لها تبعاتها. والحل هو الالتزام التام بوضع التواريخ والجدول الزمني أمامنا بصفة مستمرة وتحديد ما تم الانتهاء منه وما يجب علينا أداؤه وما يلزم تأجيله مع إبداء الأسباب. وقد يفضل تحديد ذلك كله بألوان ثابتة معلومة للجميع مثل أن يكون اللون الأخضر مخصصا لما تم من أعمال واللون الأحمر لما تم تأجيله أو فات وقته..الخ.
من أهم خطوات التطوير على كافة المستويات، فردية كانت أو مؤسسية، هي البدء في تحديد احتياجات التطوير، وتحديد أماكنه، ونقاط الضعف والقوة، والجدارات المتوفرة والمطلوبة، ورسم خريطة الكفاءات أو الجدارات في المؤسسة.. وما يماثل ذلك. وعدم القدرة على تحديد ذلك كله يعني بالضرورة ضياع جهود التطوير وربما الأموال التي قد تخصص له. ومن العيوب الإدارية ألا يتمكن المدير أو المشرف من تحديد هذه الاحتياجات سواء لتطوير ذاته أو لتطوير أداء من يعمل معه. والحل هو تطوير الذات في هذا الاتجاه عن طريق الحصول على دورات تدريبية متخصصة والعمل في فريق لتحديد احتياجات التطوير على مستوى المؤسسة والالتزام بتسجيل مادار بين الفريق وتوثيقه للرجوع إليه وقت الحاجة. تحديد الاحتياجات خطوة مهمة لا يجب التغاضي عنها، بل يجب الاعتناء بها وتوجيه الموارد من وقت وموارد بشرية ومعلومات لها.
من عيوب المديرين النظر إلى ما تحت أقدامهم فقط. أي الاكتفاء بالتركيز على المهام المكلفين بها وتخصيص جهودهم ووقتهم للأداء اليومي الروتيني دون النظر إلى علاقة هذه المهام بالرؤية العامة للمنظمة والأهداف الاستراتيجية التي وضعتها. من هنا تأتي المهام أحيانا بلا ارتباط أو علاقة مع الأهداف الموضوعة للإدارة أو القطاع أو ما يقابلها من أهداف إدارات أخرى أو حتى قد لا ترتبط برؤية الإدارة العليا. هذا المدير قد لا يعنيه ماذا تم؟ أو كيف تم؟ بل كل ما يهمه هو ماذا يعني هذا؟ . الحل في رأيي هو العمل على دراسة أين تلتقي الأعمال اليومية بالرؤية الموسعة للمؤسسة ودعوة المرؤوسين لربط ما يفعلون بأهداف المؤسسة ككل. مثال على ذلك: أن تربط إدارة الموارد البشرية مثلا احتياجات التوظيف بأهداف الإدارات وتوقيتاتها والرؤية العامة للمؤسسة. وأن تدرس إدارة المشتريات توقيتات الشراء بالخطة الإنتاجية للمؤسسة في إطار رؤية التوسع أو التركيز على منتج معين في مرحلة معينة.
وهو أمر شائع الحدوث حين يغيب الترتيب والنظام في تخزين المعلومات أو التقارير والملفات الهامة خاصة الالكترونية منها. ويحدث هذا أيضا حين نسمي الملفات بأسماء لا نتذكر بعدها ما هو إسم الملف ونظل ندور في دائرة مفرغة وقد لا نصل. وأحيانا قد نحتفظ بملف ما في ملف قد لا يشمل معلومات مترابطة وبذلك نفقد القدرة على تتبعه. وقد تبدو هذه المشكلة بسيطة، إلا أنها قد تضيع وقتا نحن أحوج إلى كل دقيقة منه بدلا من ضياعه في البحث والتنقيب. والحل هو إنشاء نظام لترتيب الملفات سواء الورقية منها أو الالكترونية، وتكليف شخص مسئول عنها يعلم خباياها ويمكنه أن يستخرجها في الوقت المناسب. حتى ولو كان هذا التكليف ليس من مهامه الرئيسية.
هذا العرض يمر به الكثيرون دون أن يتنبهوا إلى حقيقة أن هناك تغييرا قد حدث في شخصيتهم. وفي الغالب يكون هذا التغيير بسبب خارجي أو بظروف يمر بها الشخص فتؤثر على ردود فعله وعلى قراراته. وقد يكون أيضا بسبب انتقال شخص من عمل لآخر أو من منصب لمنصب آخر، وقد لا يحب المنصب الجديد أو يتقبله، فيتسبب هذا في توتره لفترة قد تطول إن لم يتحكم في أسلوب تعامله مع الموقف. ومن الممكن أن يكون السبب أيضا هو اضطرار شخص ما التعامل مع فرد أو فئة قد لا يحبذ التعامل معها لسبب يتعلق به أو بهم فتكون ردود أفعاله معبرة عن هذا. مثال على ذلك إذا ما تم نقل أحد الأفراد الذين يعملون في وظيفة مكتبية بحتة ليحتل مكانا في إدارة تحتاج إلى التعامل مع الجمهور أو مع فئة أدنى أو أعلى من قدراته. هنا تكون ردود أفعاله أغلبها متوترة وقد لا يستطيع التحكم في أعصابه. الحل هو أن يتعامل الشخص مع الموقف بهدوء أعصاب ويعطي لنفسه فرصة التفكير في ردود أفعال مختلفة واختيار الأنسب منها حسب الموقف أو الفئة. التأقلم هي قدرة من القدرات التي يمكن تنميتها بتدريب الذات مع احتساب وتوقع ردود أفعال الغير. كما وأنه من الهام فصل الظروف الخارجية عن العمل والعكس صحيح. وقد يفيد أيضا تفويض أحد الزملاء للتعامل مع الموقف إلى حين استرداد السكينة وهدوء الأعصاب.